هل نشهد ملامح "سايكس بيكو جديدة" في ظل التطورات الحالية في الشرق الأوسط؟
هل نشهد ملامح "سايكس بيكو جديدة" في ظل التطورات الحالية في الشرق الأوسط؟ فراس الغزي
فراس الغزي
في عام 1916، رسمت اتفاقية سايكس بيكو خريطة جديدة للشرق الأوسط، لتقسيم مناطق النفوذ بين القوى الكبرى، خاصة بريطانيا وفرنسا، بعد انهيار الدولة العثمانية. اليوم، وبعد أكثر من مائة عام، تعود التساؤلات مجددًا حول ما إذا كانت المنطقة تعيش مقدمات اتفاقية مشابهة لإعادة ترتيب الحدود والنفوذ السياسي والاقتصادي في ظل الظروف الراهنة.
تشابه الظروف بين الماضي والحاضر
لفهم إمكانية ظهور "سايكس بيكو جديدة"، لابد من النظر إلى العوامل التي أدت إلى الاتفاقية السابقة، ومقارنتها بما يحدث الآن:
1. صراع القوى الكبرى:
o في الماضي، كان الصراع يدور بين القوى الاستعمارية التقليدية مثل بريطانيا وفرنسا، بمشاركة روسيا القيصرية.
o اليوم، تتنافس القوى العظمى مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين، بالإضافة إلى صعود قوى إقليمية مثل إيران وتركيا، لتثبيت نفوذها في المنطقة.
2. الفراغ السياسي:
o انهيار الدولة العثمانية خلق فراغًا سياسيًا سمح بتقسيم المنطقة وفق مصالح القوى الكبرى.
o اليوم، تشهد المنطقة حروبًا أهلية، كما في سوريا واليمن، وضعفًا في بعض الدول المركزية مثل العراق ولبنان، مما يهيئ الأرضية لفرض ترتيبات جديدة.
3. إعادة رسم الحدود:
o اتفاقية سايكس بيكو أعادت رسم الحدود دون مراعاة للتكوينات الاجتماعية والدينية.
o في الوقت الحالي، هناك نقاشات حول تقسيم دول مثل سوريا والعراق إلى كيانات أصغر على أساس طائفي أو قومي، مما يعيد إلى الأذهان التقسيمات السابقة.
العوامل الدافعة نحو "سايكس بيكو جديدة"
1. التغيرات الجيوسياسية:
- الوجود العسكري الروسي في سوريا أصبح واقعًا جيوسياسيًا جديدًا يغير موازين القوى.
- التنافس الأمريكي-الإيراني على النفوذ في العراق والمنطقة يعمق الانقسامات الداخلية.
- صعود تركيا كلاعب أساسي في ملفات مثل سوريا وليبيا يعيد رسم مناطق النفوذ.
2. التحالفات الجديدة:
- الاتفاقيات الجديدة للتطبيع بين بعض الدول العربية وإسرائيل تعكس تغييرات في التحالفات التقليدية.
- تشكل تحالفات اقتصادية وأمنية جديدة يعزز احتمالية إعادة رسم المشهد الإقليمي.
3. الموارد الاقتصادية:
- صراع الغاز والنفط في شرق المتوسط يشكل محركًا أساسيًا للتنافس بين القوى الإقليمية والدولية.
- المشاريع الكبرى قد تُقسم المنطقة إلى مناطق نفوذ اقتصادي تتداخل فيها المصالح.
4. الضعف الداخلي والتقسيم السياسي:
- ضعف الدول المركزية وصعود الفاعلين من غير الدول مثل الميليشيات المسلحة، قد يدفع نحو تقسيمات جديدة تتناسب مع توازن القوى.
- الحديث عن "فدرلة" سوريا والعراق أو إنشاء مناطق حكم ذاتي بات مطروحًا بشكل متزايد.
ملامح اتفاق جديد
إذا كانت سايكس بيكو قد فرضت تقسيمًا جغرافيًا واضحًا، فإن الترتيبات الجديدة قد تكون مختلفة:
1. تقسيم غير معلن: قد يتم فرضه عبر تفاهمات غير رسمية بين القوى الكبرى والقوى الإقليمية.
2. نفوذ اقتصادي بديل للتقسيم الجغرافي: حيث يتم تقاسم موارد الطاقة والنفوذ الاقتصادي بدلاً من تقسيم الحدود التقليدية.
3. تثبيت مناطق النفوذ العسكري والسياسي: قد تشهد المنطقة تثبيت وجود عسكري طويل الأمد للقوى الكبرى مثل روسيا والولايات المتحدة.
الخاتمة
رغم أن اتفاقية سايكس بيكو لم تعد سارية المفعول رسميًا، إلا أن نتائجها ظلت ماثلة في شكل الحدود الحالية لمنطقة الشرق الأوسط. ومع الظروف الحالية من ضعف بعض الدول، وصعود قوى إقليمية وعالمية متنافسة، يبدو أن المنطقة قد تكون على أعتاب "اتفاقية جديدة" تُعيد ترتيب الأوضاع بما يتناسب مع توازنات القوى الحالية.
هذه الترتيبات، وإن كانت قد تأخذ شكل تفاهمات اقتصادية أو أمنية، إلا أنها قد تترك أثرًا مشابهًا لما فعلته سايكس بيكو في بدايات القرن الماضي، وهو ما يدفعنا للتساؤل: هل نحن أمام تقسيم جديد يعيد تشكيل خرائط المنطقة مرة أخرى؟