العراق ينتصر: ملحمة التحرير من براثن داعش
العراق ينتصر: ملحمة التحرير من براثن داعش - فراس الغزي
فراس الغزي
مقدمة: نصر صنعته الإرادة
في يوم العاشر من ديسمبر 2017، كتب العراق صفحة مشرقة في تاريخه الحديث بإعلانه النصر على تنظيم داعش الإرهابي، بعد معركة شرسة استمرت لسنوات وامتزجت فيها دماء الشهداء بدموع الفرح. هذا الإنجاز لم يكن مجرد انتصار عسكري، بل ملحمة وطنية جمعت العراقيين تحت راية واحدة ضد أكبر خطر هدد وجودهم كدولة وشعب.
جذور الأزمة: صعود الظلام
في عام 2014، اجتاح تنظيم داعش الإرهابي أجزاء واسعة من العراق، مستغلاً التوترات السياسية والأزمات الاقتصادية والاجتماعية. سقوط الموصل، ثاني أكبر مدن العراق، شكل صدمة هزت العالم، حيث أعلن التنظيم عن "خلافته المزعومة"، وأخضع المدن الواقعة تحت سيطرته لأبشع أنواع الإرهاب.
هذا الاجتياح لم يكن مجرد تهديد عسكري؛ كان محاولة لطمس هوية العراق الثقافية والتاريخية وتحويله إلى بؤرة للفوضى والدمار. لكن العراق، بماضيه العريق وشعبه الصامد، كان على موعد مع اختبار وجودي حاسم.
الرد العراقي: إرادة الشعب في مواجهة الإرهاب
1. فتوى الجهاد الكفائي: نقطة التحول
استجابت المرجعية الدينية في النجف لهذا التهديد غير المسبوق، بإصدار فتوى الجهاد الكفائي، التي دعت العراقيين إلى الوقوف صفاً واحداً للدفاع عن أرضهم وعرضهم. استجابت الجماهير لهذه الدعوة، وشُكلت قوات الحشد الشعبي كقوة داعمة للجيش والشرطة.
2. وحدة الصف الوطني:
رغم الانقسامات السياسية والطائفية التي عصفت بالعراق لسنوات، وحّدت المعركة الجميع ضد خطر مشترك. العراقيون من كافة الطوائف والقوميات قاتلوا معاً في خندق واحد، مؤكدين أن العراق أكبر من خلافاتهم.
3. دعم دولي وتحالفات استراتيجية:
شكلت الحرب ضد داعش محوراً دولياً، حيث تلقى العراق دعماً من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، إضافة إلى مساعدة دولية في التدريب والمعلومات الاستخبارية.
معارك التحرير: فصل من المجد
1. تحرير الموصل: ملحمة العصر
استعادة الموصل، معقل تنظيم داعش الرئيسي، كانت المعركة الأبرز في حرب التحرير. واجهت القوات العراقية مقاومة شرسة في معركة استمرت تسعة أشهر، وانتهت بتحرير المدينة بالكامل في يوليو 2017.
2. تحرير الرمادي وتكريت والفلوجة:
المدن الأخرى في الأنبار وصلاح الدين شهدت معارك ضارية، ونجحت القوات العراقية في تحريرها تدريجياً، مع عودة الحياة إلى المناطق التي دمرها الإرهاب.
3. التضحيات البطولية:
الحرب ضد داعش لم تكن سهلة، فقد قدمت القوات المسلحة والحشد الشعبي والبيشمركة آلاف الشهداء، الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل الدفاع عن الأرض.
إعلان النصر: ميلاد جديد للوطن
في العاشر من ديسمبر 2017، أعلن رئيس الوزراء آنذاك، حيدر العبادي، تحرير كامل الأراضي العراقية من قبضة تنظيم داعش. جاء هذا الإعلان تتويجاً لسنوات من القتال والصمود، وحمل معه آمالاً كبيرة بعودة الأمن والاستقرار إلى ربوع البلاد.
دروس وعبر من النصر العظيم
1. الوحدة تصنع المعجزات:
أثبت هذا النصر أن العراقيين قادرون على تجاوز كل خلافاتهم عندما يتعلق الأمر بمصير وطنهم.
2. إرادة الحياة تنتصر:
رغم حجم الخراب الذي خلفه داعش، إلا أن الروح العراقية لم تهزم، واستطاع الشعب أن يعيد بناء حياته بإصرار منقطع النظير.
3. رسالة إلى العالم:
هذا النصر ليس مجرد انتصار للعراق، بل هو رسالة للعالم أجمع بأن الإرهاب، مهما بلغت قوته، لن يصمد أمام إرادة الشعوب الحرة.
تحديات ما بعد النصر: البناء والمصالحة
بعد طرد داعش من الأراضي العراقية، واجهت البلاد تحديات جديدة، تمثلت في:
- إعادة الإعمار: المدن المحررة بحاجة إلى جهود كبيرة لإعادة بناء بنيتها التحتية.
- عودة النازحين: تأمين عودة ملايين النازحين إلى ديارهم هو جزء أساسي من تحقيق الاستقرار.
- مكافحة الفكر المتطرف: الحرب ضد داعش لم تنتهِ عسكرياً فقط، بل تتطلب معالجة الأسباب الفكرية والاجتماعية التي أدت إلى ظهوره.
خاتمة: العراق ينتصر دائماً
يوم النصر العظيم سيظل شاهداً على صمود العراقيين في وجه أكبر التحديات. هذه الملحمة ليست مجرد ذكرى، بل درسٌ للأجيال القادمة حول قيمة الوحدة والتضحية. العراق، رغم كل الأزمات، أثبت أنه وطن لا ينكسر، وأن أبناءه قادرون على صنع المعجزات متى ما توحدوا لهدف سامٍ.
هذا النصر هو وعد بمستقبل مشرق لعراق قوي وموحد، يرتكز على تاريخه العريق وإرادة شعبه الأبية.